نجده في بيوتنا ومطابخنا وسياراتنا ويتداخل مع كل الأجسام التي تحيط بنا. أُطلق عليه اسم (المعدن النفيس ) و(المعدن السحري) وربما يستغرب كثير من الناس أنه كان في يوم من الأيام أغلى من الذهب والفضة والبلاتين، إنه الألمنيوم.. المعدن القديم إلاّ أن تطبيقاته واستخداماته في تزايد، كما تتزايد الأسئلة عن قصته ومميّزاته! هذا ما يجيب عنه المهندس خالد العنانزة في هذه المقالة معرّجاً على تاريخ الألمنيوم ومصادره
يُعد الألمنيوم من أكثر العناصر الفلزية توافراً في القشرة الأرضية، حيث يأتي في المرتبة الثالثة بعد الأوكسجين والسليكون وبنسبة %8.3، ولا يوجد في الطبيعة بشكل منفرد نظراً لقدرته القوية على الارتباط بالأوكسجين، لذلك يوجد الألمنيوم في الصخور والقشرة الأرضية على شكل أكاسيد وسيليكات، ويتم الحصول عليه بتنقيته من الخامات المعدنية
ومنذ اللحظة التي تم فيها فصل الألمنيوم من خاماته وتحديد خصائصه في منتصف القرن التاسع عشر لم يكن للعلماء الأوائل شك في أن هذا المعدن ستكون له قيمة في المستقبل، وفعلاً أصبح الألمنيوم من أهم المعادن المستخدمة بشكل واسع في جميع أنحاء العالم في قطاعات النقل والصناعة والاتصالات والتطبيقات المنزلية والعسكرية. وتنمو حالياً وتيرة استخدامه أسرع من أي معدن آخر، ويبلغ متوسط استهلاك الفرد من الألمنيوم 25 كغم في الولايات المتحدة الأمريكيـة و20 كغم في ألمانيا و30 كغم في كندا. وفي الحقيقة إذا نظرنا حولنا فإن العالم الحديث سيكون غريباً دون الألمنيوم
المعدن السحري
في منتصف القرن التاسع عشر كان الألمنيوم يُعد من المعادن النفيسة وذا قيمة أكبر من الذهب والفضة والبلاتين، لأن إنتاجه كان مكلفاً ومحدوداً، وكانت الأدوات المصنوعة من الألمنيوم مثل أدوات المائدة غالية الثمن ولا يقدر على شرائها غير الأغنياء. ويذكر المؤرخون أن نابليون الثالث إمبراطور فرنسا أقام مأدبة طعام أعطى فيها الضيوف الأكثر شرفاً أواني من الألمنيوم وأعطى الآخرين أواني من الذهب، وفي عام 1884م اكتمل نُصُب واشنطن التذكاري باستخدام 100 أوقية من الألمنيوم باعتباره اللمسة الأخيرة في حفل متقن. وكان ينظر لإنتاج الألمنيوم في ذلك الوقت بأنه معجزة علمية، لذلك تم عرض أول قضيب من المعدن النفيس تم تصنيعه بطريقة (هنري ديفيل) في معرض باريس الدولي عام 1855م إلى جانب جواهر التاج الإنجليزي. وقد أدى عرض الألمنيوم في معرض باريس الدولي إلى إشعال خيال صانعي الجواهر والساعات وصاغة الفضة في مستقبل واعد للألمنيوم، واستمر ظهور الألمنيوم بين الأعوام (1850 و1870م) في أغراض ترفيهية مثل الأساور والميداليات والأقداح.
شيء من تاريخ الألمنيوم
إن كلمة الألمنيوم مشتقة من الكلمة اللاتينية ألومين (Alumen) ومعناها حجر الشب، وهي عبارة عن مسحوق أبيض اللون يحتوي على الألمنيوم وعناصر أخرى مثل الكبريت والبوتاسيوم. وقد عرفت أملاح الشب منذ الحضارات القديمة، واستخدمها الأطباء الرومانيون القدماء في تضميد جروح الجنود المصابين في المعارك، وفي العصور الوسطى استعملت لمعالجة وتجفيف جلود الحيوانات الميتة. في عام 1787م توقع العلماء أن هناك معدناً مجهولاً يوجد في مسحوق الشب، وفي بداية القرن التاسع عشر أطلق الكيميائي البريطاني (همبري دافي) على المعدن المجهول اسم الألمنيوم ولم تكن هناك طريقة معروفة للحصول على هذا المعدن حتى عام 1825م عندما تمكن الكيميائي الدانماركي (هانس أورستد) من إنتاج كميات قليلة من الألمنيوم، وبعدها بسنتين استطاع كيميائي ألماني يدعى (فردريك هولر) تطوير طريقة ذات فعالية أكبر في الحصول على المعدن. وبحلول عام 1845م استطاع إنتاج كميات كبيرة من الألمنيوم والتعرف إلى كثافته وإحدى أهم خصائصه الفريدة وهي خفة الوزن
في عام 1854م تم تطوير طريقة هولر من قبل كيميائي فرنسي يدعى (هنري ديفيل) فتحت آفاقاً واسعة في استخلاص الألمنيوم على أساس تجاري، وعلى إثرها انخفض سعر كيلو غرام الألمنيوم من 1200 دولار في عام 1852م إلى 40 دولاراً في عام 1859م. وقد ازداد الإنتاج العالمي من الألمنيوم بصورة كبيرة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية نتيجة زيادة الدول المتحاربة لإنتاجها لتغطية الاحتياجات المتزايدة منه للأغراض الحربية. وفي منتصف القرن العشرين تطورت صناعة الألمنيوم وأصبحت شائعة ومألوفة وظهر أول إنتاج لرقائق الألمنيوم عام 1947م كما بدأ إنتاج أسلاك الألمنيوم المستخدمة في محطات القوى الكهربائية عام 1957م. وفي الستينيات من القرن الماضي أصبحت العلب المصنوعة من الألمنيوم شائعة الاستخدام، وفي الوقت الحالي أصبح الألمنيوم يدخل في تطبيقات واسعة تتراوح من علب المشروبات إلى هياكل المدرعات والطائرات